حين يكون الجهل مقدساً يصبح الوعي كُفراً لقلم. نادي عاطف

حين يكون الجهل مقدساً يصبح الوعي كُفراً     لقلم. نادي عاطف

في مجتمعاتٍ تُقيم قُدسيةً زائفةً حول الجهل، يصبح الوعي عبئًا ثقيلًا يُثقل كاهل أصحابه، ويحكم عليهم بالنفي والتهميش. هنا، تتحول المعايير وتنعكس القيم؛ فبدلًا من أن يكون العلم مفتاحًا للتقدم، يُنظر إليه كتهديدٍ للاستقرار. وبدلًا من الاحتفاء بالمفكرين والمبدعين، يُحاصرون بتهم الكفر والخروج عن الجماعة.

إن تقديس الجهل ليس مجرد حالة اجتماعية عابرة، بل هو نظامٌ معقد يتداخل فيه الدين والسياسة والعادات الاجتماعية. يبدأ هذا التقديس بتغليف الجهل برداء الفضيلة، حيث يُربط بالبساطة أو الإيمان العميق، ويتعزز من خلال تحقير الأسئلة والنقاشات الفكرية، وكأنها سُمٌّ يُهدد نسيج المجتمع.

في هذه المجتمعات، يُعامل الوعي وكأنه خطرٌ داهم. من يجرؤ على التفكير الحر، يُوصف بالتمرد. من يبحث عن الحقيقة خارج الإطار التقليدي، يُتهم بالكفر. هذه الديناميكية ليست إلا محاولةً لإبقاء السيطرة بيد أولئك الذين يستفيدون من إبقاء الشعوب في حالة من التبعية الفكرية.

لكن، ماذا يحدث حينما يُقاوم الوعي؟ حينما تضيء شمعة في عتمة الجهل المقدس؟ هنا تبدأ معركةٌ شرسة بين أصحاب العقول المنفتحة وحراس الظلام. رغم كل التحديات، الوعي يملك قوةً لا تقهر؛ إنه كالنار التي تنير الظلمات مهما كان حجمها.

تقديس الجهل ليس نهاية الطريق. التاريخ مليء بأمثلة عن شعوب خرجت من مستنقعات الجهل لتبني حضارات عظيمة. الشرط الأساسي لذلك هو الإيمان بقيمة السؤال، والإصرار على كشف الحقيقة مهما كانت التكلفة. لأن الوعي، مهما قُوبل بالرفض في البداية، هو السبيل الوحيد نحو الحرية الحقيقية.

في النهاية، لا يُمكن للجهل أن يبقى مقدسًا إلى الأبد. سيأتي يومٌ يصبح فيه الوعي هو الفضيلة، وتتحرر العقول من أغلال الخوف والرجعية. حينها فقط، سيُصبح الإنسان قادرًا على أن يعيش بكرامة ويُحقق معنى وجوده الحقيقي.

By haidar

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *