حلقة نقاش لمركز الزيتونة حول الآفاق المستقبلية لمعركة طوفان الأقصى

حلقة نقاش لمركز الزيتونة حول الآفاق المستقبلية لمعركة طوفان الأقصى

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، حلقة نقاش بعنوان “الآفاق المستقبلية لمعركة طوفان الأقصى”، على مدى جلستين، وبمشاركة نخبة من المتخصصين والباحثين والمهتمين بالشأن السياسي الفلسطيني وقضايا المنطقة، وذلك يوم الأربعاء في 2024/11/27، عبر نظام مؤتمرات الفيديو (الزووم).

أدار الجلسة الأولى، التي قُدِّمت خلالها أربع أوراق عمل، المدير العام لمركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان الأستاذ جواد الحمد. واستهلَّ أ. أحمد الحيلة، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، الأوراق المقدّمة، وطَرَحَ سيناريوهين لليوم التالي لمعركة طوفان الأقصى وإدارة الأفق السياسي، الأول انتصار جيش الاحتلال في المعركة خلال أشهر، وهذا سيفضي لاحتلال قطاع غزة، ما يفتح الطريق أمام ضمّ الضفة والقدس، والشروع بالتطبيع وإعادة ترتيب المنطقة. والثاني صمود المقاومة والشعب الفلسطيني في حرب استنزاف شرسة لأشهر حتى قدوم الرئيس ترامب، وهذا ربما يفضي إلى انسحاب الاحتلال من غزة بالكامل وفق محددات الموقف الفلسطيني، أو انسحاب الاحتلال من أجزاء واسعة من القطاع مع الاحتفاظ بالمعابر والمناطق الحدودية، وفي الحالتين تدار غزة بإدارة فلسطينية لا تكون فيها حماس في الواجهة.

وحول مستقبل الضفة والقطاع، قال الحيلة ربما تجري مناقشة فكرتين بين تل أبيب وواشنطن، هما ضمّ الضفة والقدس إلى السيادة الإسرائيلية باعتراف أمريكي، وقيام كيان فلسطيني، حكم ذاتي منزوع السلاح، تحت السيادة الإسرائيلية أو السيطرة الإسرائيلية على الحدود البرية والجوية والبحرية لهذا الكيان، وهو ما يدفع حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، للاستعداد لأسوأ السيناريوهات.

وقدَّم أ. معين الطاهر، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – عمّان، الورقة الثانية، وقال إنّ المرحلة القادمة من الحرب في قطاع غزة ستكون مرحلة حرب استنزاف، تستطيع المقاومة الاستمرار بها لفترة طويلة وتمنع العدو من السيطرة الكاملة على كل قطاع غزة.

وخَشِيَ الطاهر من أن يستطيع العدو أن يحقق عبر المناورات السياسية ما لم يتمكن من تحقيقه في حرب الإبادة الجماعية، من خلال إرسال قوات عربية وأجنبية لتتولى مهمة نزع سلاح المقاومة. ورأى الطاهر أنّه يجب اعتبار هذه المعركة معركة وجود كما هي بالنسبة للكيان الصهيوني، وأكّد أنّ المقاومة تستطيع الصمود والانتصار، على المديين المتوسط والبعيد، وأنّه قد تحتاج إلى تغيير في الأساليب والتكتيكات.

وقال الطاهر، يجب إعادة النظر في بعض التكتيكات في الضفة الغربية، ويجب التركيز أكثر على أنماط من العمل السري. وأضاف أنّ الركيزة الأساسية للمرحلة القادمة ستكون الصمود في داخل الوطن، وهذا الصمود لن يتحقق بدون صمود الأهل، وبدون دعم العرب والفلسطينيين في الخارج، وبدون استمرار المقاومة بكل أشكالها، بما فيها المقاومة المسلحة، ناهيك عن مقاومة التطبيع والحراك في الشارع العربي والدولي، وزيادة عزلة “إسرائيل” على المستوى العالمي. وقال إنّه يجب الإعداد لمعركة فاصلة ستطول أكثر بكثير من ثلاثة أشهر، وإنّ مرحلة ترامب ستكون مرحلة أقسى.

وقدّم الورقة الثالثة د. مهند مصطفى، مدير عام مركز مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، وقال إنّ ضرب الدولاتية وظهور النزعة الميليشياوية في المجتمع الإسرائيلي، قد تؤديان إلى تفكك داخلي كبير في داخل “إسرائيل”، لأن قوة “إسرائيل” عند قيامها كان بفعل أمر معاكس لما فعلته هذه الحكومة، حيث قوّت الدولاتية وألغت الميليشياوية.

وأضاف مصطفى أنَّ هناك إخفاق سياسي على مستوى السردية الإسرائيلية وحالة الضحوية وعلى مستوى الاحتجاج الشعبي الإسرائيلي، وأضاف أنّ هذا الإخفاق إذا لم يرافقه فعل سياسي فلسطيني، سيؤدي إلى تلاشي وتفتت الإنجازات التي حقّقت على المستوى الدولي.

وقدّم د. مأمون أبو عامر، الكاتب السياسي والمتخصص في الشؤون الاسرائيلية، الورقة الرابعة، وقال إنّه لا يوجد ضمانات تؤكد أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه في لبنان قد يمضي بعيداً بعد انتهاء فرصة 60 يوماً. أما في ساحة غزة، فقال إنّه في ظلّ انتقال المقاومة من حالة المركزية إلى حالة الانتشار، من المتوقع أن يستمر جيش الاحتلال بتوجيه ضربات للحاضنة الشعبية للمقاومة، ومواصلة التدمير المنهجي للأحياء، ومحاولة الوصول إلى الأصول العسكرية لمجموعات المقاومة.

وعن تأثيرات وقف الحرب في لبنان على المقاومة في غزة، قال أبو عامر إنّه حتى مع وقف إطلاق النار ستبقى جبهة لبنان جبهة إسناد لأنه على المدى القصير سيبقى الجيش مستنفراً ولو بشكل أقل من قبل. وأضاف أنّ الجيش الإسرائيلي سيعطي فرصة أكبر لتسريع تنفيذ خطط قتالية في غزة، وأنّه قد يكون قبول الحزب وقف إطلاق النار بعيداً عن غزة إنجازاً سياسياً لنتنياهو، يسهِّل عليه التوجه لوقف إطلاق النار في غزة.

وفي الجلسة الثانية التي أدارها أ. د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، تمّ تقديم أربع أوراق عمل، استهلَّ الورقة الأولى أ. زياد ابحيص، الباحث المتخصص في شؤون القدس، ورأى أنّه من المتوقع أن يتصاعد إلحاح المسجد الأقصى باعتباره دافعاً مركزياً لحماية هويته وقدسيته، وأنّ محاولة حسم مصير القدس ستتصاعد، كما أن مساحتين جديدتين من التحدي ستفتحان، الأولى هي محاولة وراثة الحكومة الصهيونية لمقرات الأونروا ومنشآتها، والثانية تجديد موجة نقل البعثات الديبلوماسية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني؛ وهي قضايا يمكن استباقها بحملات دولية سياسية وقانونية يمكن أن تعيقها أو أن تبطئها. وأضاف ابحيص أنّ الضفة الغربية ستكون ميدان المعركة القادم ومحاولة الحسم والضم والتهجير، وهو ما يتطلب استباقه بتمكين المقاومة بكل أشكالها.

كما رأى ابحيص أنّه من المتوقع أن تستمر محاولات تجلي موجة النهضة الثالثة للمقاومة ضمن ما تتيحه الوقائع، لأن الشرط الموضوعي الأساسي لتحولها لموجة شاملة ما يزال غير متحقق بتبني السلطة الفلسطينية لها أو حتى تسامحها مع وجودها، ما يجعل تآكل السلطة الفلسطينية وقدرة أجهزتها الأمنية شرطاً أساسياً لنهوضها. وأنّ السلطة الفلسطينية ذاتها أمام تحدٍّ وجودي لكيانها السياسي، فأمام ضمّ الضفة الغربية لن يعود هناك ما يتفاوض عليه وما يبرر وجود كيانية فلسطينية فيها، ومع إدراك الاحتلال والولايات المتحدة لأهمية دورها الأمني فإن سيناريو “الجُزُر السبع” مرشح لأن يعود لواجهة الاهتمام والتطبيق، مع محاولة ربط المسؤولية المركزية عنها بالأردن كدولة عربية ضامنة لها، وهو ما يجعل السلطة الفلسطينية والأردن الرسمي في قلب الأنظمة العربية المهددة مع انتقال المعركة إلى الضفة الغربية.

وقدّم الورقة الثانية أ. عاطف الجولاني، الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الفلسطينية والأردنية، ورجّح أن يستمر السقف الحالي الضعيف من المعركة على المستوى الرسمي العربي، وأن يحصل تغيير في أدوار الوسطاء العرب في جهود وقف إطلاق النار بعد تولي ترامب لمهامه الرئاسية، حيث يتراجع دور مصر وقطر لصالح السعودية، وتتزايد المخاوف لدى الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية من تنفيذ خطة ضمّ المناطق ج من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية.

وأضاف أنّه في حال تسارعت جهود اليمين الإسرائيلي بتنفيذ خطة الضم واستهداف القدس، فإن هذا التطور سيزيد من مستوى الحراك الشعبي، وفي المقابل سيستمر موقف معظم الحكومات العربية الحالي في كبح جماح حركة الشارع العربي، وسيتم إطلاق موجة جديدة من الاتفاقيات الإبراهيمية بعد تسلم ترامب للسلطة، وسيكون الهدف تذليل عقبات التطبيع مع السعودية. كما رجَّح أن تسعى الدول العربية لتعزيز دور السلطة الفلسطينية، وأن تبدي العديد من الدول العربية استعداداً أكبر من السابق للعب دور سياسي وأمني في قطاع غزة بعد الحرب في حال طلبت منها إدارة ترامب ذلك، وأن يستمر الموقف السلبي للعديد من الحكومات العربية من حركات المقاومة الفلسطينية. كما رجّح استمرار حساسية الحكومات العربية من دور إيران وحلفائها من قوى الإسناد في مواجهة طوفان الأقصى.

وقدّم د. إبراهيم فريحات، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، الورقة الثالثة، وقال إنّه بعد وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض، يتّجه النظام الدولي نحو تعدد القطبية، ولكن يجب عدم المبالغة بهذا التحول. ورأى فريحات أنّ السيناريوهات التي ستشهدها القضية الفلسطينية واسعة ما بين سيناريوهات سيئة جداً، مثل ضم مناطق ج، أو حتى ضمّ الضفة الغربية، أو تسوية صفقة متوافق عليها مع اللاعبين الأساسيين في العالم العربي. وأضاف أنّ دول الخليج العربي هي القادرة على الدخول بالصفقات التي يريد أن يقوم بها دونالد ترامب، وبالتحديد السعودية. وقال فريحات إنّ تعاون الأردن مهم جداً من أجل إنجاح أي صفقة، وإنّ أي صفقة هي بحاجة إلى موافقة فلسطينية، فالجانب الفلسطيني على الرغم من ضعفه، يمثل حالة من الشرعية.

وقدَّم أ. قاسم قصير، مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، مداخلة قال فيها إنّ حزب الله والمقاومة الإسلامية لم يكونوا يرغبون بشنّ حرب مفتوحة على الكيان الصهيوني، لكن من الواضح أنّ الكيان كان يُجهّز نفسه لهذه الحرب، لكنّ المقاومة خاضت المعركة ومَنَعَت العدو من تحقيق إنجازات كبرى. وأكّد قصير أنّ التنسيق والدعم والتعاون بين محور الساحات ومحور المقاومة سيبقى قائماً ولكنه سيأخذ منحى جديداً وفقاً لتغيّر المعادلات، حيث يحتاج إلى إعادة تقييم للأداء وتقديم رؤى جديدة حول كيفية دعم القضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة.

وحول الهدنة التي جرت في لبنان، قال قصير نحن أمام امتحان تنفيذي لفترة 60 يوماً، وعلى ضوء هذه الفترة يمكن تقييم الأمور، حيث سيحاول الاحتلال فرض معادلات جديدة على القرى الأمامية في الجنوب، وسنكون أمام مرحلة حذرة ومفتوحة على كلّ الاحتمالات، كما أنّ الهدنة مرتبطة أيضاً بالظروف اللبنانية الداخلية، وبالتسوية في قطاع غزة، والاستحقاقات الناتجة عن الانتخابات الأمريكية واستلام ترامب لمنصبه في 20 كانون الثاني/ يناير 2025.

وكانت هناك مداخلات وتعليقات مهمة من مجموعة من الخبراء والمتخصصين على الأوراق المقدمة، وإجابات وتوضيحات مقدِّمي المداخلات على تساؤلات المناقشين وملاحظاتهم في ختام الجلستين.

By haidar

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *